تاريخ الذهب
عثر الإنسان القديم على الذهب في الطبيعة واقتناه لما له من خواصٍ مميّزة من لمعان وسهولة في المعالجة وعدم الاهتراء والتآكل، إضافة إلى ندرته وثقل وزنه وقدرته على تشكيل السبائك؛ كلّ تلك العوامل رفعت قيمة الذهب بمرور الوقت.
يعود استخدام الذهب لأغراض الزينة إلى العصور القديمة الضاربة في التاريخ؛ ففي ثمانينات القرن العشرين عثر في منطقة بلاد الشام على مشغولات ذهبية في مقبرة كهفية تعود إلى العصر النحاسي.عثر كذلك على حوالي 3000 قطعة أثرية ذهبية على هيئة مرفقات جنائزية تعود إلى ذلك العصر (حوالي الألفية الرابعة قبل الميلاد) في مقبرة بالقرب من فارنا نيكروبولس في بلغاريا،[10] وهي بذلك أقدم موجودات ذهبية في القارة الأوروبية؛ كما عثر على حوالي 7000 قطعة أثرية ذهبية في المنطقة المحيطة بالبحر الأسود يعود تاريخها إلى فترة حضارة مايكوب في العصر النحاسي أيضاً.]أمّا المشغولات الذهبية القديمة الأخرى التي عثر عليها في أوروبا الوسطى مثل القبّعات الذهبية أو قرص نيبرا السماوي، وكذلك الموجودات العائدة إلى فترة حضارة القدور الجرسية مثل الأقراط الذهبية في قبر نبّال أيمزبوري فتعود إلى العصر البرونزي (حوالي الألفية الثانية قبل الميلاد).
رسمت أقدم خارطة معروفة لمناجم الذهب في مصر القديمة في عهد الأسرة المصرية التاسعة عشرة (بين 1320 - 1200 قبل الميلاد)؛ في حين أنّ أقدم مرجع مكتوب يشير إلى مكامن الذهب فكان قد سجّل في عهد الأسرة المصرية الثانية عشرة (حوالي 1900 قبل الميلاد).[13] كان الذهب متوفّراً في مصر القديمة، إذ دوِّنَ بالهيروغليفية المصرية في منحوتات تعود إلى سنة 2600 قبل الميلاد وصْفَ الملك توشراتا، ملك ميتاني، والذي ادّعى فيه أنّ "الذهب في مصر أكثر من الغبار".[14] انتشرت مناجم الذهب في مصر القديمة،[ْ 1] وخاصّة في النوبة،[15] ففي خريطة مرسومة في بردية تورين يوجد رسم لمخطّط منجم ذهب في النوبة مع وصف لطبيعة الأرض الجيولوجية المحلّية هناك. ورد ذكر الذهب أيضاً في رسائل تل العمارنة، وخاصّة في الرسالتين 19 (الحبّ والذهب)؛[16]و26 (إلى الملكة الأمّ: بعض التماثيل الذهبية المفقودة).[17] والتي تعود إلى حوالي القرن الرابع عشر قبل الميلاد.[18][19] أطلق على الذهب في مصر القديمة اسم "نبو"؛[ْ 2] وكان الاسم الذهبي (أو اسم حورس الذهبي) هو أحد الألقاب الخمسة التي كان يتقلّدها فرعون مصر ابتداءً من الأسرة الثالثة. عُثر على كمّيات كبيرة من الذهب أثناء التنقيب عن الآثار المصرية، وخاصّة مجموعة آثار الملك «توت عنخ آمون» وحليّ مقابر «تانيس» ومقبرة«سبتاح» وغيرها.
عبر التاريخ كانت تيجان الملوك أكثر ما تصنع من الذهب، كما استخدم بشكل كبير في صنع الحليّ مثل القلائد والأطواق وغيرها. وصف إسطرابونوديودور الصقلّي الأساليب البدائية التي استخدمت قديماً في تعدين الذهب، ومن بينها إشعال النيران. كما كان الناس في العالم القديم يستخدمون وسائل مختلفة للحصول على الذهب في المكائث، ومن بينها استخدام جدائل الصوف، وربّما لذلك انتشرت أسطورة بحارة الأرجو والصوف الذهبي. يعود استغلال الذهب كوحدة نقد إلى منطقة جنوب شرق البحر الأسود، وذلك وفق الروايات بشكل مرتبط مع زمن ميداس، وكان الذهب مهمّاً جدّاً في سكّ النقد لأوّل مرّة في ليديا حوالي سنة 610 قبل الميلاد. وفي نفس الفترة التاريخية أطلقت دويلة تشو عملة ينغ يوان Ying Yuan، وهي نقود ذهبيةمربّعة الشكل.
جرى تطوير طرق جديدة لتعدين الذهب على نطاق واسع في روما القديمة اعتماداً على التعدين الهيدرولي في عدّة مناطق مثل ترانسيلفانيا وداقيةوبريطانيا الرومانية بالإضافة إلى هسبانيا وخاصّة في منجم لاس مدولاس، الذي يعدّ من أشهر مناجم الذهب في عهد الإمبراطورية الرومانية. وصفبلينيوس الأكبر الكثير من الطرق المستخدمة آنذاك في موسوعته المعروفة باسم التاريخ الطبيعي، والتي كتبها حوالي نهاية القرن الأوّل الميلادي.
كان أحد الأهداف الأساسية للخيميائيين في العصور الوسطى هو تحويل المعادن والفلزّات رخيصة الثمن مثل الرصاص إلى ذهب، وذلك من خلال التآثر مع مادّة حجر الفلاسفة الأسطورية. على الرغم من عدم نجاحهم في محاولاتهم، إلّا أنّ تراكم تلك الجهود أدّى إلى ازدياد المعارف بعلم المواد وإلى تطوير علم الكيمياء بشكله الحالي. ويعود الفضل إلى العالم جابر بن حيان في اكتشاف تركيبة الماء الملكي (أو التيزاب) والذي بمقدوره أن يحلّ الذهب، وعُرف المحلول الناتج باسم ماء الذهب. كانت النفطة المطوّقة (نقطة محاطة بدائرة ☉) رمز الذهب عند الخيميائيين؛ والتي استعملت لاحقاً كرمزللشمس. أثناء قيامه برحلة الحج إلى مكّة سنة 1324 أقدم منسا موسى ملك مالي على زيارة القاهرة برفقة قافلة من الإبل محمّلة بآلاف الأرطال من الذهب.[ْ 5][ْ 6] أدّى منح الهدايا والعطايا إلى تخفيض سعر الذهب في مصر بشكل ملحوظ حتى بعد مضيّ فترةٍ من الزمن؛ وهذا ما وصفه شهاب الدين أحمد بن فضل الله العمري، والذي زار مصر بعد ذلك بسنوات.[21]
اعتبر شعب الآزتك أنّ الذهب ذا منشأٍ إلهي، (حتى أنّهم أسموه حرفياً "براز الآلهة" teocuitlatl في لغة ناواتل. وكان لصيت انتشار الذهب في أمريكا الوسطى وأمريكا الجنوبية من أحد العوامل الذي دفع الأوروبيين لاكتشاف العالم الجديد، وخاصّة مع الشائعات والأساطير التي وصفت ظهور الأمريكيين الأصليين بحليّ ذهبية وفيرة، ووجود مدنٍ كاملةٍ من الذهب ("إل دورادو"). ينسب إلىكريستوفر كولومبوس القول أنّ الذين يمتلكون بعضاً من الذهب فلديهم شيئاً ذا قيمةٍ عظيمةٍ على الأرض، كما أنّ لديهم وسيلةً تساعد الأرواح في الوصول إلى الجنّة.[22] بعد مقتل مونتيزوما، حاكمتينوتشتيتلان، نقل الغزاة الإسبان أغلب الذهب على متن سفن الغليون إلى إسبانيا.[23]
في أواخر القرن التاسع عشر تسببت حمّى الكشف عن الذهب في منطقة ويتووترسراند في استيطان المنطقة، ممّا أدّى في النهاية إلى تأسيس مدينة جوهانسبرغ عاصمة جنوب أفريقيا الحالية. ارتبط اندلاع حرب البوير الثانية بين الإمبراطورية البريطانية والبويريين الأفريقان ولو بشكلٍ جزئيٍّ بالذهب، وذلك بسبب النزاع حول حقوق عمال المناجم وتقاسم حصص ثروة الذهب في جنوب أفريقيا. ظهرت حمى الكشف عن الذهب أيضاً في أواخر القرن التاسع عشر في الولايات المتّحدة الأمريكية، ومن أشهرها حمّى ذهب كاليفورنيا وحمّى ذهب كلوندايك. كان أوّل اكتشاف موثّق للذهب في الولايات المتّحدة في منجم Reed Gold Mine في ولاية كارولاينا الشمالية سنة 1803؛ أمّا أوّل اكتشاف لكمّيات كبيرة للذهب في الولايات المتحدة فكان في منطقة داهلونغا في ولايةجورجيا.[25]
عادةً ما تنتشر الشائعات بخصوص العثور على الكنوز الذهبية بعد حدوث المعارك أو الكوارث، كما هو الحال في قصة الذهب المخبّأ الذي غرق مع سفينة التيتانيك؛ أو قوافل تهريب ذهب النازية أثناء وبعد الحرب العالمية الثانية.
تعليقات
إرسال تعليق